إخفاء الحقائق وتشويه الدين- نقد لفترة الصحوة والتشدد الديني
المؤلف: نجيب يماني11.24.2025

في تغريدة له عبر منصة "X"، ذكر أحد الدعاة ما نصه: (من -ذكرياتي -في - الدعوة / تعمدت إخفاء كتاب كان يتحدث عن جواز كشف وجه المرأة ومنعت توزيعه بشكل قاطع، وهو لأحد تلاميذ الألباني، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها).
هؤلاء الدعاة الذين فقدوا بريقهم وتضاءلت حماستهم بعد ظهور الحق وانتشار الاعتدال في المجتمع، وزوال أفكار التشدد إلى غير رجعة، وقد يسّر الله لدينه من أعاد إليه رونقه الأصيل ونقائه وجوهره النقي.
لقد أقرّ صاحب هذه التغريدة بأنه أخفى أمرًا معلومًا بالدين بالضرورة، وذلك لتمرير فكرته ودعم حجته، وهذا التصرف مرفوض في الدين الإسلامي وحكمه معروف للجميع.
مثل هذه الممارسات كانت شائعة في فترة الصحوة المثيرة للاشمئزاز، حيث عمد بعض دعاتها إلى إخفاء الكثير من الحقائق وتحريف معاني الآيات والأحاديث الصحيحة لتدعيم وجهات نظرهم وتضليل العامة وإرضاء رغبات دفينة في نفوسهم.
لقد حرموا مسائل متعددة في أحكام الحلال والمباح دون أي دليل شرعي، بل تجاوزوا ذلك إلى تحريم العادات التي الأصل فيها الإباحة، وهددوا فاعليها بالعذاب.
كان التحريم هو السمة السائدة، وكان "سد الذرائع" هو حجتهم الدائمة وعصاهم التي يتكئون عليها، فقاموا بتحريم الغناء والموسيقى والتمثيل والسينما وقيادة المرأة للسيارة، وصوت المرأة وعملها وخروجها للتعليم وسفرها، وتطول قائمة المحظورات التي فرضتها الصحوة حتى أصاب المجتمع بالجفاف الروحي وفقد كل معنى للحياة وعمارة الأرض.
اتفق دعاة الصحوة على تحريم كشف المرأة لوجهها واعتبروه من المحرمات التي تستوجب دخول النار، وأكدوا أن النقاب هو الأصل والواجب الذي يمنع المرأة من كشف وجهها حتى أثناء العبادات وفي داخل بيوتها، وأجبروها على تغطية وجهها حتى لو أدى ذلك إلى إفساد عبادتها، وهذا من الغلو والتطرف المنهي عنه في الإسلام. فالله سبحانه وتعالى أمر المرأة بكشف وجهها أثناء الصلاة وأداء العبادات، وهذا دليل قاطع من بين عشرات الأدلة على جواز كشف المرأة لوجهها، فمن غير المعقول أن يطلب الله من عباده كشف عوراتهم أثناء العبادة، وهو الأمر الذي اتفقت عليه جميع المذاهب الإسلامية.
إن كشف الوجه هو مسألة خلافية معتبرة في الفقه الإسلامي، وبالتالي لا يحق لأحد أن يجبر الآخرين على رأيه أو يفرضه على المجتمع، وحتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجوز في هذه المسألة، لأن المسائل الاجتهادية ليست مجالًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يقتصر ذلك على الواجبات والمحرمات الشرعية المتفق عليها.
هذا الكتاب الذي اعترف الداعية بإخفائه هو نفسه الذي أنكرته جماعة الصحوة، وهو "كتاب جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وليس لأحد تلاميذه كما زعم، فلا أعرف أن أحدًا من تلاميذ الشيخ الألباني قد ألّف كتابًا عن جواز كشف وجه المرأة إلا الشيخ الألباني نفسه، الذي نستشهد بأحاديثه الشريفة ونقول: رواه البخاري ومسلم وغيرهما وصححه الألباني.
في مناظرة لي مع أحد كبار رموز الصحوة على إحدى القنوات الفضائية في أوج قوتهم حول موضوع الحجاب، أنكر وجود هذا الكتاب جملة وتفصيلاً، وقال: "معاذ الله أن يكتب الألباني مثل هذا، فلا تكذب على الشيخ واتقِ الله".
وقد أثبت الشيخ الألباني في كتابه هذا بالأدلة القاطعة التي تجاوزت ثلاثة عشر دليلًا، جواز كشف المرأة لوجهها وأنه ليس بعورة، وأن هذا هو مذهب جمهور الصحابة وكبار الأئمة من فقهاء الحنابلة.
وإذا تركنا البحث الفقهي جانبًا وتأملنا واقع الحياة في زمن الرسالة، لوجدنا أن جميع الأدلة تشير بوضوح إلى أن المرأة كانت تشارك الرجل في جميع الأنشطة الدينية والاجتماعية ومختلف مناشط الحياة الأخرى، فكانت تشارك في الحروب وتقاتل ببسالة، وتعالج الجرحى، وتمارس التجارة والزراعة، وتناقش وتسأل وترد وتدافع عن حقوقها بكل جرأة.
وقد عيَّن سيدنا عمر بن الخطاب امرأة اسمها الشفاء لتولي مسؤولية الحسبة، حيث كانت تراقب الأسواق وتمنع الغش التجاري. فكل هذه المهام الدنيوية كيف يمكن أن تتفق مع وجه مغطى بالكامل؟
الأمثلة على ذلك كثيرة، وتاريخ المسلمين الأوائل يشهد على سماحة هذا الدين ومرونته، والآية الكريمة التي نزلت في الحجاب إنما هي خاصة بأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وليست عامة لجميع نساء المسلمين.
إن الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار فضيلة إسلامية نبيلة، تعمل كالمشرط الجراحي الماهر على إزالة أسباب التوتر والألم، والإنسان الذي يتحلى بهذه الفضيلة يكسب محبة الآخرين وتقديرهم، ويرفع بها شأنه ويغفر بها ذنوبه، ويقدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية، وهذا ينعكس على المجتمع بأجواء من التآلف والمحبة والخير.
الاعتذار من مكارم الأخلاق، وهي فضيلة عظيمة بدأت مع سيدنا آدم عليه السلام الذي ندم على خطيئته وطلب المغفرة فتاب الله عليه، وفي المقابل تكبر إبليس اللعين فكان من الخالدين في نار جهنم وبئس المصير.
فالاعتذار هو صمام أمان للمجتمع ووقاية له من انتشار الفتنة وسوء الظن بين الناس، فكل إنسان عرضة للخطأ، وخير الناس من يبادر بالتوبة والاستغفار، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشدد والتطرف في الدين، فقال: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون". وقد أثبتت الأيام صدق نبوءته، فقد كنا في حال وأصبحنا اليوم في حال أفضل بفضل الله.
والحمد لله رب العالمين.
هؤلاء الدعاة الذين فقدوا بريقهم وتضاءلت حماستهم بعد ظهور الحق وانتشار الاعتدال في المجتمع، وزوال أفكار التشدد إلى غير رجعة، وقد يسّر الله لدينه من أعاد إليه رونقه الأصيل ونقائه وجوهره النقي.
لقد أقرّ صاحب هذه التغريدة بأنه أخفى أمرًا معلومًا بالدين بالضرورة، وذلك لتمرير فكرته ودعم حجته، وهذا التصرف مرفوض في الدين الإسلامي وحكمه معروف للجميع.
مثل هذه الممارسات كانت شائعة في فترة الصحوة المثيرة للاشمئزاز، حيث عمد بعض دعاتها إلى إخفاء الكثير من الحقائق وتحريف معاني الآيات والأحاديث الصحيحة لتدعيم وجهات نظرهم وتضليل العامة وإرضاء رغبات دفينة في نفوسهم.
لقد حرموا مسائل متعددة في أحكام الحلال والمباح دون أي دليل شرعي، بل تجاوزوا ذلك إلى تحريم العادات التي الأصل فيها الإباحة، وهددوا فاعليها بالعذاب.
كان التحريم هو السمة السائدة، وكان "سد الذرائع" هو حجتهم الدائمة وعصاهم التي يتكئون عليها، فقاموا بتحريم الغناء والموسيقى والتمثيل والسينما وقيادة المرأة للسيارة، وصوت المرأة وعملها وخروجها للتعليم وسفرها، وتطول قائمة المحظورات التي فرضتها الصحوة حتى أصاب المجتمع بالجفاف الروحي وفقد كل معنى للحياة وعمارة الأرض.
اتفق دعاة الصحوة على تحريم كشف المرأة لوجهها واعتبروه من المحرمات التي تستوجب دخول النار، وأكدوا أن النقاب هو الأصل والواجب الذي يمنع المرأة من كشف وجهها حتى أثناء العبادات وفي داخل بيوتها، وأجبروها على تغطية وجهها حتى لو أدى ذلك إلى إفساد عبادتها، وهذا من الغلو والتطرف المنهي عنه في الإسلام. فالله سبحانه وتعالى أمر المرأة بكشف وجهها أثناء الصلاة وأداء العبادات، وهذا دليل قاطع من بين عشرات الأدلة على جواز كشف المرأة لوجهها، فمن غير المعقول أن يطلب الله من عباده كشف عوراتهم أثناء العبادة، وهو الأمر الذي اتفقت عليه جميع المذاهب الإسلامية.
إن كشف الوجه هو مسألة خلافية معتبرة في الفقه الإسلامي، وبالتالي لا يحق لأحد أن يجبر الآخرين على رأيه أو يفرضه على المجتمع، وحتى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجوز في هذه المسألة، لأن المسائل الاجتهادية ليست مجالًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما يقتصر ذلك على الواجبات والمحرمات الشرعية المتفق عليها.
هذا الكتاب الذي اعترف الداعية بإخفائه هو نفسه الذي أنكرته جماعة الصحوة، وهو "كتاب جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة" للعلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، وليس لأحد تلاميذه كما زعم، فلا أعرف أن أحدًا من تلاميذ الشيخ الألباني قد ألّف كتابًا عن جواز كشف وجه المرأة إلا الشيخ الألباني نفسه، الذي نستشهد بأحاديثه الشريفة ونقول: رواه البخاري ومسلم وغيرهما وصححه الألباني.
في مناظرة لي مع أحد كبار رموز الصحوة على إحدى القنوات الفضائية في أوج قوتهم حول موضوع الحجاب، أنكر وجود هذا الكتاب جملة وتفصيلاً، وقال: "معاذ الله أن يكتب الألباني مثل هذا، فلا تكذب على الشيخ واتقِ الله".
وقد أثبت الشيخ الألباني في كتابه هذا بالأدلة القاطعة التي تجاوزت ثلاثة عشر دليلًا، جواز كشف المرأة لوجهها وأنه ليس بعورة، وأن هذا هو مذهب جمهور الصحابة وكبار الأئمة من فقهاء الحنابلة.
وإذا تركنا البحث الفقهي جانبًا وتأملنا واقع الحياة في زمن الرسالة، لوجدنا أن جميع الأدلة تشير بوضوح إلى أن المرأة كانت تشارك الرجل في جميع الأنشطة الدينية والاجتماعية ومختلف مناشط الحياة الأخرى، فكانت تشارك في الحروب وتقاتل ببسالة، وتعالج الجرحى، وتمارس التجارة والزراعة، وتناقش وتسأل وترد وتدافع عن حقوقها بكل جرأة.
وقد عيَّن سيدنا عمر بن الخطاب امرأة اسمها الشفاء لتولي مسؤولية الحسبة، حيث كانت تراقب الأسواق وتمنع الغش التجاري. فكل هذه المهام الدنيوية كيف يمكن أن تتفق مع وجه مغطى بالكامل؟
الأمثلة على ذلك كثيرة، وتاريخ المسلمين الأوائل يشهد على سماحة هذا الدين ومرونته، والآية الكريمة التي نزلت في الحجاب إنما هي خاصة بأمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وليست عامة لجميع نساء المسلمين.
إن الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار فضيلة إسلامية نبيلة، تعمل كالمشرط الجراحي الماهر على إزالة أسباب التوتر والألم، والإنسان الذي يتحلى بهذه الفضيلة يكسب محبة الآخرين وتقديرهم، ويرفع بها شأنه ويغفر بها ذنوبه، ويقدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية، وهذا ينعكس على المجتمع بأجواء من التآلف والمحبة والخير.
الاعتذار من مكارم الأخلاق، وهي فضيلة عظيمة بدأت مع سيدنا آدم عليه السلام الذي ندم على خطيئته وطلب المغفرة فتاب الله عليه، وفي المقابل تكبر إبليس اللعين فكان من الخالدين في نار جهنم وبئس المصير.
فالاعتذار هو صمام أمان للمجتمع ووقاية له من انتشار الفتنة وسوء الظن بين الناس، فكل إنسان عرضة للخطأ، وخير الناس من يبادر بالتوبة والاستغفار، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من التشدد والتطرف في الدين، فقال: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون". وقد أثبتت الأيام صدق نبوءته، فقد كنا في حال وأصبحنا اليوم في حال أفضل بفضل الله.
والحمد لله رب العالمين.
